"كل شيء يلهمني، أحيانًا أظن أنني أرى أشياء لا يراها الغير"
هذا ما قاله السير نورمان فوستر عن نفسه وهذا ما يجعلنا نفكر هل فوستر يرى اشياءا لا يراها الغير ؟؟!!نشأة نورمان فوستر :
ولد فوستر عام 1935 لأسرة عمالية في بلدة ريدش، لكن والديه انتقلا إلى مانشستر بعد أسبوع من ولادته ليستأجرا هناك بيتا وسط صف من البيوت المتواضعة بإيجار لا يزيد عن 14 شيللنغ في الأسبوع (أي ما يزيد قليلا على نصف جنيه إسترليني).
كان والدا فوستر شديدي الدأب في عملهما، وهذا ما جعل طفلهما الوحيد فوستر يشعر بتحدد علاقته بهما، فهو غالبا ما يُعتنى به على يد الجيران أو الأقارب. وقد التحق بمدرسة للمتميزين. وقال إنه كان دائما يشعر باختلافه عن غيره وكان موضع تنمر بعض من زملائه عليه، وهذا ما جعله ينضوي تحت عالم الكتب، وكان صعب المراس في سنواته المبكرة ويتصرف بشكل غير مقبول اجتماعيا.
ويمكن القول إن مانشستر كانت مصدر إلهام كبير لفوستر خلال سنوات طفولته. فوالده كان يعمل في شركة «متروبوليتان فيكرز» المتخصصة في صناعة الأجهزة الكهربائية الثقيلة، وهذا ما غذى ولع الابن الوحيد بالهندسة والتصميم. وخلال سنوات مراهقته كان فوستر مبهورا بالأعمال الهندسية وعملية وضع التصاميم التي جعلته يلتحق بمهنة تتعلق بتصميم المباني. وضمن حقل الاهتمام بالتصاميم الهندسية كانت الطائرات والقطارات من بين عناصر الجذب له، وكان مشهد القطارات وهي تمر من أمام بيتهم يغذي مخيلته وتعلقه بهذا الحقل.
وإذا كان أبناء الطبقة العاملة البريطانية أقل حظا في إكمال الدراسة الجامعية آنذاك، فإن والد فوستر تمكن من إقناعه بالاشتراك في امتحان قبول للحصول على عمل تدريبي في بلدية مانشستر. وقد نجح فيه عام 1951 وبدأ يعمل كمتدرب في قسم المالية. وقد فرحت أسرته لهذه القفزة التي حققها ابنهما، لكن فوستر شعر بخيبة أمل لاضطراره ترك دراسته الثانوية. وتحت شعور بالملل من عمله المكتبي كان يقوم بجولات في مانشستر خلال أوقات الغداء ثم يقوم بتخطيطها على مكتبه.
انتبه الموظف كوب إلى اهتمامات هذا الفتى برسم المباني، وكان له ابن يدرس العمارة في الجامعة، وقد ساعدت نصائحه لفوستر على دفعه للتفكير في احتراف الهندسة المعمارية. وبعد انتهاء فترة التدريب في قسم مالية البلدية التحق بالجيش لأداء الخدمة الإلزامية حيث انتهى منها عام 1953. وخلالها اختار العمل في «القوة الجوية الملكية» استجابة لولعه الشديد بالطائرات. بعد عودته إلى مانشستر لم يرغب فوستر في العودة إلى عمله في البلدية مثلما كان يرغب والداه، ومع الشهادة المتوسطة التي كانت بحوزته والمتضمنة سبعة مواضيع نجح فيها قدم طلبا للعمل في شركة متخصصة في استنساخ مكائن المكاتب، وحين سئل في المقابلة عن الدافع وراء رغبته في العمل بتلك الشركة كان جوابه: «لأنني أريد الحصول على راتب يساوي 1000 جنيه وسيارة شركة». وهو كان بذلك يسعى إلى الخروج بعيدا عن جذوره العمالية، وقد خلق ذلك الميل نفور والديه منه.
دراسة نورمان فوستر :
بعد فشله في الحصول على عمل، استطاع فوستر الوصول إلى جون بيردستاو، المعماري المقيم في مانشستر، وبعد مقابلة ناجحة حصل على عمل هناك كمساعد لمدير العقود. ولم يكن فوستر يعرف كيف بإمكانه أن يصبح معماريا، أو إن كان ممكنا تحقيق ذلك بالنسبة لشخص ذي خلفية عمالية مثله، أم لا، حيث النقود لتغطية تكاليف الدراسة ضئيلة. مع ذلك، فإنه طلب نصيحة زملاء يعملون في شركة التصاميم تلك لمعرفة كيف يمكن أن يحقق حلمه. وجاءت النصيحة الأمثل: عليه أن يعد ملفا لتخطيطاته ويقدمها لكلية العمارة في جامعة مانشستر. وهذا ما قام به، إذ أخذ عددا من تخطيطات المحلات والرسوم المنظورية من مكتب المهندس بيردستاو كمصدر إلهام له في عمله على رسومه الخاصة. وقد أعجب رب عمله بما أنجزه إلى الحد الذي جعله يطلب من فوستر تعلم مهنة المعمار من عمله لا من الدراسة. لكنه رفض وفضل الالتحاق بكلية العمارة.
بعد تركه للعمل في المكتب الهندسي عام 1956 حصل فوستر على مكان في الكلية، لكنه فشل في الحصول على منحة تساعده على مواصلة الدراسة، وهذا ما دفعه لمزاولة عدة أعمال مؤقتة لتمويل متطلبات دراسته الأكاديمية. ومن بين تلك الأعمال بيع الآيس كريم والحراسة في ناد ليلي والمناوبة في مخبز لعمل كعكعات الكرامبيت. إضافة إلى ذلك، واصل فوستر تعليم نفسه بقضاء ساعات في مكتبة محلية. وقد اهتم فوستر كثيرا بما أنجزه معماريون سابقون كبار مثل فرانك لويد رايت ولودفيغ مايس فان دير روه، ولوكوربوسيه، وأوسكار نيمير. وفي عام 1961 تخرج في جامعة مانشستر.
حصل فوستر على منحة دراسية للماجستير من كلية ييل الأميركية للعمارة، وهناك التقى بشريك أعماله المستقبلي ريتشارد روجرز. وبعد عودته إلى المملكة المتحدة عام 1963 أنشأ مكتبا للتصاميم المعمارية مع روجرز والأختين جورجي وويندي تشيسمان تحت اسم «تيم 4» وكانت جورجي الوحيدة الحائزة لشهادة «ريبا» التي تسمح لها بفتح مكتب هندسي. وقد عرف ذلك المكتب بميله للتصميم الهندسي المعتمد على تكنولوجيا عالية.
وفي 1967 أسس فوستر أسوسييتس، والتي تعرف حاليًا باسم فوستر أند بارتنرز. وتعتبر فوستر أند بارتنرز، التي تأسست في لندن، الآن شركة عالمية تحتوي على مكاتب للتخطيط في أكثر من عشرين دولة. ولقد كانت الشركة مسئولة على مر العقود الأربع الماضية عن تنفيذ مجموعة كبيرة من الأعمال المتميزة، بدءً من الخطط الرئيسية للمدن، والبنى التحتية العامة، والمطارات، والمباني المدنية والثقافية، والمكاتب، وأماكن العمل وحتى المنازل الخاصة وتصميم المنتجات.ولقد حصلت الشركة منذ تأسيسها على 685 جائزة وإشادة بالتفوق، كما إنها فازت في أكثر م140 منافسة دولية ومحلية.
وحصل نورمان فوستر على الميدالية الملكية الذهبية للهندسة المعمارية في 1983، والميدالية الذهبية من الأكاديمية الفرنسية للهندسة المعمارية في 1991، والميدالية الذهبية من المعهد الأمريكي للمهندسين المعماريين في 1994. كما عينته وزارة الثقافية الفرنسية عضوًا في مجلس إدارة جمعية الفنون والآداب. في 1999 أصبح نورمان فوستر الشخصية الحادية والعشرين التي تحصل على جائزة بريتسكر التقديرية في الهندسة المعمارية؛ وفي 2002 حصل على وسام "جيرمان أوردين بور لو ميريت فور ويسينشافتن أند كونست" كما حصل على جائزة "برايميام امبريال". وقد تم منحه لقب الفروسية في "لائحة أوسمة الشرف في عيد ميلاد الملكة" في 1990، كما رشحته الملكة للحصول على وسام الاستحقاق في 1997. في 1999 تم تسميته ضمن طبقة النبلاء في "لائحة أوسمة الشرف في عيد ميلاد الملكة"، حيث حصل على لقب "لورد فوستر أوف تيمز بنك".
0 التعليقات: